اللغة والهوية
كانت اللغة ولاتزال مكوناً أساسياً من مكونات الهوية، وتسهم بعمق في تشكيل الهوية الفردية والجماعية لأي مجتمع ودولة؛ لأن اللغة هي أخطر رابطة تاريخية تربط بين الأجيال المختلفة من الشعب الواحد، ذلك لأن اللغة وعاء التجارب الشّعبية والعادات والتقاليد والعقائد التي تتوارثها الأجيال.
وتسهم اللغة العربية في تكوين هوية خاصة للناطقين بها، وتشكل رمزاً للهوية العربية في امتدادها التاريخي بسبب طابعها الكتابي الذي استطاع أن يخلِّد مئات الآلاف من الأعمال والآثار المحفوظة. وما يميز اللغة العربية هو أنها تسهم في خلق هوية شاملة، فإذا كانت هوية بعض الثقافات هوية جزئية ترتبط ببعض المظاهر الثقافية؛ فإن العربية تخاطب ذاكرة العربي ووجدانه وعقله وروحه ومخيلته، ومن هنا تقوم اللغة العربية بدور الهوية الجامعة.

اللغة العربية هوية وطنية للمملكة
منذ لحظات التأسيس الأولى والمملكة العربية السعودية تعتزّ بعروبتها لغةً وتاريخًا وموطنًا، فهي مملكة تأسست وقامت على أراضٍ سميت تاريخيا بشبه الجزيرة العربية، وعاشت عليها القبائل العربية العريقة منذ آلاف السنين، وحافظت على أصالة لغتها واعتزازها بها طيلة هذه القرون المتطاولة رغم تفرقها وتباعدها عن بعضها جغرافيا؛ حتى وحّدها سياسيا المؤسّس المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز رحمه الله الذي صاح يوما باعتزاز وتفاخر: "أنا عربي، ومن خيار الأسر العربية"، وسماها بعد توحيدها بهذا الاسم الذي تضمن وصفها بأنها مملكة عربية قبل أن تكون سعودية، وجرى على منواله من بعده كل خلفائه من أبنائه الملوك البررة حين اتخذوا "خطوات جادة لضمان استمرار اللغة العربية في قلب الحياة اليومية والرسمية؛ وذلك من خلال سلسلة من القرارات والأوامر السامية المتعاقبة التي تؤكد بعضها بعضاً، والتي تسعى المملكة من خلالها ليس فقط للحفاظ على اللغة العربية، بل لتعزيزها وجعلها الركيزة الأساسية في الوثائق القانونية والمعاملات والمراسلات الداخلية والخارجية."
وآكد ذلك ما نصت عليه المادة الأولى من المبادئ العامة في النظام الأساسي للحكم الصادر بأمر ملكي رقم أ/٩٠ بتاريخ ٢٧ / ٨/ ١٤١٢ من أن "المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولغتها هي اللغة العربية، وعاصمتها مدينة الرياض".
وتعزيزا لهذا المبدأ الأول في النظام الأساسي للحكم صدرت خلال عهود مختلفة مجموعة قرارات من مجلس الوزراء في المملكة تجسد الالتزام الراسخ باللغة العربية هويةً وطنية دائمة لا تتغير ولا تتبدل، ومنها:
– قرار مجلس الوزراء رقم ٢٣٣ (١٣٧٩/٠٢/١٧هـ): الذي يؤكد على أهمية استخدام اللغة العربية في جميع المعاملات والمراسلات الرسمية داخل المملكة. ويُعد هذا القرار من أوائل القرارات التي وضعت الأساس لاستخدام اللغة العربية بشكل حصري في المراسلات الرسمية، مما يعزز الهوية الوطنية والثقافية للمملكة.
– قرار مجلس الوزراء رقم ٢٦٦ (١٣٨٩/٠٢/٢١هـ): الذي يؤكد على أهمية استعمال اللغة العربية في المكاتبات الرسمية مع الجهات الحكومية من قبل الشركات والمؤسسات الأجنبية. وتضمن القرار معاقبة المخالفين بالغرامة، وفي حالة تكرار المخالفة، يُفرض عدم التعامل مع الجهة المخالفة لمدة سنة.
– أمر سام رقم ٣/ح/١٥٣٥١ (١٤٠٠/٠٦/٢٠هـ): أكد القرار السابق، وشدد على التزام الجهات الحكومية والشركات المملوكة للدولة باستعمال اللغة العربية في مراسلاتها، وفي تحرير العقود ومرفقاتها ووثائقها المختلفة مع الشركات والمؤسسات الأجنبية.
– أمر سام رقم ٣/ح/٩٥٧٤ (١٤٠١/٠٤/٢٧هـ): يؤكد مرة أخرى على التزام الجهات الحكومية والشركات المملوكة للدولة باستخدام اللغة العربية في جميع المراسلات والعقود والوثائق مع الشركات والمؤسسات الأجنبية.
– أمر سام رقم ٣/ح/١١١٥٢ (١٤٠٢/٠٥/١٢هـ): يُعد امتداداً للأوامر السابقة؛ حيث أكد مجدداً على ضرورة استعمال اللغة العربية في المراسلات الرسمية والعقود والمرفقات والوثائق بين الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات الأجنبية.
– أمر سام رقم ١٧٢٤/م (١٤٠٨/٠٩/١٠هـ): ركز على ضرورة التقيد بضوابط محددة في تسميات الوزراء والمسؤولين بالدولة، والتأكيد على الالتزام بقواعد اللغة العربية في جميع الاستعمالات.
– أمر سام رقم ٤٢٨٠٨ (١٤٣٣/٠٩/١٨هـ): يؤكد على الجهات الحكومية التي تعقد اتفاقيات أو مذكرات تفاهم مع دول أخرى أن تكون هذه الاتفاقيات أو المذكرات بلغتين إحداهما العربية، وتضمين نص يفيد بمساواة اللغة العربية للغة الأخرى في الحجية القانونية.
– قرار مجلس الوزراء رقم ٣٤ (١٤٤٢/٠١/١٣هـ): الذي تضمّن تأسيس مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بهدف المساهمة في تعزيز دور اللغة العربية إقليميًّا وعالميًّا، وإبراز قيمتها المعبّرة عن العمق اللغوي للثقافة العربية والإسلامية؛ حيث يهدف المجمع إلى أن يكون مرجعية علمية على المستوى الوطني في اللغة العربية وعلومها، وأن يحقق الريادة والمرجعية العالمية في خدمة اللغة العربية.
– أمر سام رقم ٥١٧٩٥ (١٤٤٥/٠٧/١٦هـ): يؤكد مرة أخرى على ما قضى به الأمر السامي رقم ٤٢٨٠٨ لعام ١٤٣٣هـ، مشدداً على الجهات الحكومية بتضمين الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع الدول الأخرى نصاً يفيد بمساواة اللغة العربية للغة الأخرى في الحجية القانونية.

اللغة العربية ومحمد بن سلمان
في ٨ صفر ١٤٤٣هـ أطلق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠. هذا البرنامج يمثّل استراتيجية وطنية تستهدف تعزيز تنافسية القدرات البشرية الوطنية محليًا وعالميًا؛ كما يهدف إلى تعزيز اللغة العربية والعناية بها، والتي قال عنها سموه في رؤيته النافذة ٢٠٣٠: "سنحافظ على هويتنا الوطنية ونبرزها ونعرّف بها، وننقلها إلى أجيالنا القادمة؛ وذلك من خلال غرس المبادئ والقيم الوطنية، والعناية بالتنشئة الاجتماعية واللغة العربية".

الخاتمة
إن هذه القرارات والأوامر والتوجهات تعكس التزام الحكومة السعودية الراسخ بالحفاظ على اللغة العربية وتعزيز استخدامها في كافة المجالات، سواء في المراسلات الحكومية الداخلية أو الاتفاقيات والعقود المحلية والدولية. هذا الاهتمام يبرز أهمية اللغة العربية كعنصر أساسي في الهوية الوطنية والثقافية للمملكة.

بتصرف واختصار من مقال د. عبد العزيز الغانمي بعنوان: القرارات والأوامر السامية: التزام المملكة العربية السعودية بالحفاظ على اللغة العربية وتعزيزها، المنشور في مدونته الشخصية بموقع لينكد إن، الرابط الإلكتروني:
https://ae.linkedin.com/pulse/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%A7%D9%85%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9-alghanmy–jwd7e