تاريخ اللغة العربية
تعريف اللغة:
عرف العلماء اللغة بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، غير أن تعريف اللغة بوظيفتها يختلف عن تعريفها بحقيقتها وعلاقتها بالإنسان.. فاللغة هي الإنسان، وهي الوطن والأهل، واللغة التي هي نتيجة التفكير.. هي ما يميز الإنسان عن الحيوان، وهي ثمرة العقل، والعقل كالكهرباء يعرف بأثره، ولا ترى حقيقته.
بدايات اللغة العربية:
اللغة العربية من أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة.
والباحثون في تاريخ اللغة العربية يجزمون بأنه لا يعرف عن بدايات اللغة العربية شيء، وهذه النصوص الأدبية المروية تمثل اللغة العربية في عنفوان اكتمالها.
والثابت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إسماعيل عليه السلام تعلم العربية من قبيلة جرهم.
ويذهب كثير من الباحثين في تاريخ اللغة العربية إلى أنها تنقسم قسمين: لهجات بائدة، وأهمها ثلاث: الثمودية والصفوية واللحيانية.
وأما الباقية فمن أشهرها قريش وطيء وهذيل وثقيف وغيرها.
وتنوعت لهجات العرب، حتى صار في بعضها ظواهر صوتية، من مثل:
١- عنعنة تميم: فهم يجعلون الهمزة المبدوء بها عينا فيقولون في أُذُن: عُذُن.
٢- كشكشة ربيعة: فهم يجعلون بدل كاف المخاطبة شينا فيقولون بدل: عليكِ بالصبر يا هند: عليش بالصبر.
٣- كسكسة هوازن: فهم يجعلون بدل كاف المخاطبة سينا فيقولون بدل: عليكِ بالصبر يا هند: عليس بالصبر.
٤- تضجع قيس: فهم يميلون الأحرف إلى الكسر.
٥- عجرفة ضبة: فهم معروفون بالتقعر والجفاء في الكلام.
٦- ثلثلة بهراء: وهي أنواع منها: كسر ما عدى الياء من حروف المضارعة، فيقولون في تأذن وتأثم: تِيثم وتِيذن.
٧- فحفحة هذيل: يجعلون الحاء عينا، فيقولون في أحل الله البيع: أعل الله البيع.
٨- عجعجة طيء: فهم يجعلون الياء المشددة جيما، فيقولون في تميمي: تميمجّ.
٩- لخلخائية الشحر وعمان: فهم يقولون في ما شاء الله: مشا الله.
١٠- غمغمة قضاعة: وهي مثل الهمهمة وهو كلام لا يفهم من غيرهم.
١١- وتم حمير: فهم يجعلون السين تاء، فيقولون في الناس: النات.
١٢- الإنطاء، وهو معروف عند بعض العرب بحيث يجعلون مكان العين الساكنة نونًا إذا جاورت الطاء فيقولون: ينطي بدل: يعطي.
١٣- الطمطمائية، وهي إبدال لام التعريف ميما فيقولون: طاب أمهواء بدل: طاب الهواء.
١٤- المعاقبة: وهي تعاقب الواو والياء، فيقولون: أوبة وأيبة وعزوت وعزيت وتحوز وتحيز.
تطور اللغة العربية وأهميتها قبل الإسلام:
لقد كان لعرب الجاهلية الأولى مؤتمر لغوي أدبي يعقدونه في كل عام في الحجاز بين نخلة والطائف يجتمع فيه شعراؤهم وخطباؤهم لتناشد الأشعار، بل إنهم يعقدون المسابقات الأدبية ويعرضون أنفسهم على قضاة منهم للموازنة بينهم، فيحكمون لمبرزهم على مقصرهم حكما لا يرد ولا يعارض. واهتمامهم الكبير بهذه المؤتمرات إنما هو بسبب شعورهم بضرورتها؛ لتشعب لغتهم بين اليمن والشام ونجد وتهامة لصعوبة التواصل في تلك البقاع وبعد ما بين قاصيها ودانيها، فكان مطمع أنظارهم في ذلك المجتمع توحيد لغتهم وجمع شتاتهم والرجوع بها إلى لغة قريش التي هي أفصح اللغات وأقربها مأخذا وأسهلها مساغا وأحسنها بيانا.
تميز لغة قريش:
إنما تبوأت لغة قريش هذه المكانة لأسباب، من أهمها:
١- بعدها عن بلاد العجم، فلم يخالطوا الأعاجم من الفرس والروم والحبشة مخالطة تؤثر على لغتهم.
٢- أن العرب كانوا يفدون إلى مكة في الموسم ويقيمون فيها قريبا من خمسين يوما، فيتخير القرشيون من لغات العرب ما استحسنوه ويهملون ما استبشعوه، فصاروا بذلك أفصح العرب.
وكانت هذه المكانة للغة قريش تمهيدًا لنزول الوحي والرسالة العالمية التي بعث بها محمد عليه الصلاة والسلام، ابتداء من قريش.
أثر القرآن في الحفاظ على لغة العرب:
لا عجب أن ينزل القرآن بلسان قريش ويجمع الناس على لغتهم، فصار نزوله بأفصح لسان وأحكم بيان، فقضى على مواطن الخلاف ومحى جوانب الاختلاف، فجمع الشمل ووحد الكلمة وهذب العبارة وارتقى بالأسلوب، فحفظ اللغة بعد أن لاحت في الأفق نذر الافتراق، فالاندثار. ووحدها بعد أن بدت سمات الاختلاف. فوضح لكل ذي لب أنه لولا القرآن وأسراره البيانية ما اجتمع العرب على لغته، ولو لم يجتمعوا لتبدلت لغاتهم بالاختلاف الذي وقع ولم يكن منه بد. ثم يصير مصير هذه اللغات إلى العفاء لا محالة. وهكذا يتسلسل الأمر حتى تستبهم العربية، فلا تبين إلا بضرب من إشارة الآثار.
تأثير القرآن على فصحاء العرب:
نرى أثر القرآن على فصحاء العرب عظيما؛ إذ أسر بيانه القلوب؛ فعندما جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقرأ عليَّ، فقرأ عليه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى…" [النحل: ٩٠]، فقال: أعد، فأعاد. فقال: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه. وإنه ليحطم ما تحته، وما يقول هذا بشر". ومن عجيب أمر صناديد قريش وفصحائهم أنهم كانوا إذا حلّ الليل ذهبوا مستخفين إلى جانب بيت النبي صلى الله عليه وسلم فيستمعون ويستمتعون بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن.
ولقد تأثر الخطباء والشعراء -حتى غير المسلمين منهم- ببيان القرآن واقتبسوا من ألفاظه وتراكيبه وأنواره.